الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)
.لا غرابة في جحد النصارى رسالة محمد وقد سبوا الله: وقد ذكرنا اتفاق أمة الضلال وعباد الصليب على مسبة رب العالمين أقبح مسبة، على ما يعلم بطلانه بصريح العقل، فإن خفي عليهم أن هذا مسبة لله وأن العقل يحكم ببطلانه وبفساده من أول وهلة لم يكثر على تلك العقول السخيفة أن تسب بشرا أرسله الله، وتجحد نبوته، وتكابر ما دل عليه صريح العقل من صدقه وصحة رسالته، فلو قالوا فيه ما قالوا لم يبلغ بعض قولهم في رب الأرض والسموات الذي صاروا به ضحكة بين جميع أنصاف بني آدم فأمة أطبقت على أن الإله الحق سبحانه عما يقولون صلب وصد وجلس على عرشه يدبر أمر السموات والأرض، لا يكثر عليها أن تطبق على جحد نبوة من جاء بسبها ولعنها ومحاربتها وإبداء معايبها والنداء على كفرها بالله ورسوله، والشهادة على براءة المسيح منها ومعاداته لها، ثم قاتلها وأذلها وأخرجها من ديارها وضرب عليها الجزية، وأخبر أنها من أهل الجحيم خالدة مخلدة لا يغفر الله لها وأنها شر من الحمير؛ بل هي شر الدواب عند الله..ألوان من سخافة النصارى في الصليب: وكيف ينكر لأمة أطبقت على صلب معبودها وإلاهها ثم عمدت إلى الصليب فعبدته وعظمته، وكان ينبغي لها أن تحرق كل صليب تقدر على إحراقه، وأن تهينه غاية الإهانة إذ صلب عليه إلاهها الذي يقولون تارة: إنه الله، وتارة يقولون إنه ابنه، وتارة يقولون ثالث ثلاثة، فجحدت حق خالقها وكفرت به أعظم كفر وسبته أقبح مسبة أن تجحد حق عبده ورسوله وتكفر به وكيف يكثر على أمة قالت في رب الأرض والسموات إنه ينزل من السماء ليكلم الخلق بذاته لئلا يكون لهم حجة عليه، فأراد أن يقطع حجتهم بتكليمه لهم بذاته لترتفع المعاذير عمن ضيع عهده بعد ما كلمه بذاته، فهبط بذاته من السماء، والتحم في بطن مريم، فأخذ منها حجابا، وهو مخلوق من طريق الجسم، وخالق من طريق النفس، وهو الذي خلق جسمه وخلق أمه، وأمه كانت من قبله بالناسوت، وهو كان من قبلها باللاهوت، وهو الإله التام، والإنسان التام ومن تمام رحمته تبارك وتعالى على عباده إنه رضي بإراقة دمه عنهم على خشبة الصليب، فمكن أعداءه اليهود من نفسه ليتم سخطه عليهم، فأخذوه وصلبوه وصفعوه وبصقوا في وجهه، وتوجوه بتاج من الشوك على رأسه، وغار دمه في أصبعه لأنه لو وقع منه شيء إلى الأرض ليبس كلما كان على وجهها، فثبت في موضع صلبه النوار، ولما لم يكن في الحكمة الأزلية أن ينتقم الله من عبده العاصي الذي ظلمه أو استهان بقدره لاعتلاء منزلة الرب وسقوط منزلة العبد أراد سبحانه أن ينتصف من ا لإنسان الذي هو إله مثله، فانتصف من خطيئة آدم بصلب عيسى المسيح الذي هو غله مساو له في الإلهية، فصلب ابن الله الذي هو الله في الساعة التاسعة من يوم الجمعة هذه ألفاظهم في كتبهم!! فأمة أطبقت على هذا في معبودها؟!! كيف يكثر عليها أن تقول في عبده ورسوله أنه ساحر وكاذب وملك مسلط ونحو هذا؟!!.ولهذا قال بعض ملوك الهند: أما النصارى فإن كان أعداؤهم من أهل الملل يجاهدونهم بالشرع فأنا أرى جهادهم بالعقل، وإن كنا لا نرى قتال أحد لكنى استثنى جميع مصالح العالم الشرعية والعقلية الواضحة، واعتقدوا كل مستحيل ممكنا، وبنوا من ذلك شرعا لا يؤدي إلى صلاح نوع من أنواع العالم؛ ولكنه يصير العاقل إذا شرع به أخرق، والرشيد سفيها، والحسن قبيحا، والقبيح حسنا، لأن من كان في أصل عقيدته التي جرى نشؤه عليها الإساءة إلى الخلاق والنيل منه، وسبه أقبح مسبة، ووصفه بما يغير صفاته الحسنى، فاخلق به أن يستسهل الإساءة إلى مخلوق، وأن يصفه بما يغير صفاته الجميلة فلو لم تجب مجاهدة هؤلاء القوم إلا لعموم أضرارهم التي لا تحصى وجوهه كما يجب قتل الحيوان المؤذي بطبعه لكان أهلا لذلك.والمقصود أن الذين اختاروا هذه المقالة في رب العالمين على تعظيمه وتنزيهه وإجلاله ووصفه بما يليق به، هم الذين اختاروا الكفر بعبده ورسوله وجحد نبوته، والذين اختاروا عبادة صور خطوها بأيديهم، في الحيطان مزوقة بالأحمر والأصفر والأزرق لو دنت منها الكلاب لبالت عليها فأعطوها غاية الخضوع والذل والخشوع والبكاء وسألوها المغفرة والرحمة والرزق والنصر هم، الذين اختاروا التكذيب بخاتم الرسل على الإيمان به وتصديقه واتباعه، والذين نزهوا بطارقتهم وبتاركتهم عن الصاحبة والولد ونحولهما للفرد الصمد: هم الذين أنكروا نبوة عبده وخاتم رسله..صلاة النصارى استهزاء بالمعبود: والذين اختاروا صلاة يقوم أعبدهم وأزهدهم إليها والبول على ساقه وأفخاذه فيستقبل الشرق ثم يصلب على وجهه ويعبد الإله المصلوب، ويستفتح الصلاة بقوله يا أبنا أنت الذي في السموات تقدس اسمك وليأت ملكك ولتكن إرادتك في السماء مثلها في الأرض أعطنا خبزنا الملايم لنا، ثم يحدث من هو إلى جانبه، وربما سأل عن سعر الخمر والخنزير وعما كسب في القمار وعما طبخ في بيته، وربما أحدث وهو في صلاته، ولو أراد لبال في موضعه إن أمكنه، ثم يدعو تلك الصورة التي هي صنعة يد الإنسان فالذين اختاروا هذه الصلاة على صلاة من إذا قام إلى صلاته طهر أطرافه وثيابه وبدنه من النجاسة، واستقبل بيته الحرام، وكبر لله وحمده وسبحه، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ناجاه بكلامه المتضمن لأفضل الثناء عليه وتحميده وتمجيده وتوحيده، وإفراده بالعبادة والاستعانة وسؤاله أجل مسئول وهو الهداية إلى طريق رضاه التي خص بها من أنعم الله عليه دون طريق الأمتين المغضوب عليهم وهم اليهود والضالين وهم النصارى، ثم أعطى كل جارحة من الجوارح حظها من الخشوع والخضوع والعبودية مع غاية الثناء والتمجيد لله رب العالمين، لا يلتفت عن معبوده بوجهه، ولا قلبه، ولا يكلم أحدا كلمة، بل قد فرغ قلبه لمعبوده وأقبل عليه بقلبه ووجهه، ولا يحدث في صلاته، ولا يجعل بين عينيه صورة مصنوعة يدعوها ويتضرع إليها، فالذين اختاروا تلك الصلاة التي هي في الحقيقة استهزاء بالمعبود لا يرضاها المخلوق لنفسه فضلا أن يرضى بها الخالق على هذه الصلاة التي لو عرضت على من لا أدنى مسكة من عقل لظهر له التفاوت بينهما هم الذين اختاروا تكذيب رسوله وعبده على الإيمان به وتصديقه: فالعاقل إذا وازن بين ما اختاروه ورغبوا فيه وبين ما رغبوا عنه تبين له أن القوم اختاروا الضلالة على الهدى والغي على الرشاد، والقبيح على الحسن، والباطل على الحق، وأنهم اختاروا من العقائد أبطلها، ومن الأعمال أقبحها، وأطبق على ذلك أساقفتهم وبتاركتهم ورهبانهم فضلا عن عوامهم وسقطهم..فصل: أكثر النصارى مقلدون: ولم يقل أحد من المسلمين أن ما ذكرتم من صغير وكبير وذكر وأنثى وحر وعبد وراهب وقسيس كلهم تبين له الهدى، بل أكثرهم جهال بمنزلة الدواب السائمة، معرضون عن طلب الهدي فضلا عن تبيينه لهم، وهم مقلدون لرؤسائهم وكبرائهم وعلمائهم- وهم أقل القليل وهم الذين اختاروا الكفر على الإيمان بعد تبين الهدى، وأي إشكال يقع للعقل في ذلك فلم يزل في الناس من يختار الباطل، فمنهم من يختاره جهلا وتقليدا لمن يحسن الظن به ومنهم من يختاره مع علمه ببطلانه كبرا وعلوا، ومنهم من يختاره طعما ورغبة في مأكل أو جاه أو رياسة، ومنهم من يختاره حسدا وبغيا، ومنهم من يختاره محبة في صورة وعشقا، ومنهم من يختاره خشية ومنهم من يختاره راحة ودعة، فلم تنحصر أسباب اختيار الكفر في حب الرياسة والمأكلة.فصل:.المسألة الثانية: من آمن بالنبي من رؤساء النصارى: وأما المسألة الثانية وهي قولكم: هب أنهم اختاروا الكفر لذلك فهل لا أتبع الحق من لا رياسة له ولا مأكلة إما اختيارا وإما قهرا..فجوابه من وجوه: (أحدهما) أنا قد بينا أن أكثر من ذكرتم قد آمن بالرسول وصدقه اختيارا لا اضطرارا وأكثرهم أولوا العقول والأحلام والعلوم ممن لا يحصيهم إلا الله، فرقعة الإسلام إنما انتشرت في الشرق والغرب بإسلام أكثر الطوائف، فدخلوا في دين الله أفواجا حتى صار الكفار معهم تحت الذلة والصغار وقد بينا أن الذين أسلموا من اليهود النصارى والمجوس والصابئين أكثر من الذين لم يسلموا، وأنه إنما بقي منهم أقل القليل، وقد دخل في دين الإسلام من ملوك الطوائف ورؤسائهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بين له أنه رسول الله آمن به ودخل في دينه وآوى أصحابه ومنعهم من أعدائهم، وقصته أشهر من أن تذكر، ولما مات أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالساعة التي توفي فيها وبينهما مسيرة شهر، ثم خرج بهم إلى المصلى وصلى عليه، فروي الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، أمنا على ديننا، وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا على أن يبعثوا إلى النجاشي هدايا مما يستظرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم فجمعوا له أدما كثيرا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا غلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا إلى النجاشي هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم. قالت فخرجا فقدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار وعند خير جوار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، ثم قالا لكل بطريق أنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إليك فيهم أشارف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فإذا كلما الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم؛ فإن قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا نعم، ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهم، ثم كلماه فقالا له أيها الملك إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا غليك فيهم أشراف قوهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم، فقالت بطارقته حوله صدقوا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم غليهما ليردوهم إلا بلادهم وقومهم، قالت فغضب النجاشي، ثم قال: لا ها الله أذن لا أسلمهم إليهما ولا أكاد أقوام جاوروني ونزلوا ببلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني، قالت ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا في ذلك ما هو كائن، فلما جاءوه- وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله- سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحد من هذه الأمم، قالت وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له أيها الملك! كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة، قالت فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عز وجل وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، قالت فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه علي، فقرأ عليه صدرا من {كَهَيَعَصَ} قالت فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقوا فو الله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد قالت أم سلمة فلما خرجنا من عنده قال عمر بن العصا والله لآتينه غدا أعيبهم عنده بما استأصل به خضراءهم، قالت فقال عبد الله بن أبي ربيعة وكان أبقى الرجلين فينا لا تفعل فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا، قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد، قالت ثم غدا عليه من الغد فقال له أيها الملك إنهم يقولون في عسى بن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فأسألهم عما يقولون فيه، قالت فأرسل إليهم فسألهم عنه، قالت ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في عيسى إذا سألكم عنه، قالوا نقول والله فيه ما قال الله عز وجل وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن، فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته التي ألقاها إلى مريم العذراء البتول وروح منه، فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودا ثم قال ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم، وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي- (والسيوم) الآمنون- من سبكم غرم من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبر ذهب وإني آذيت رجلا منكم- (والدبر) بلسان الحبشة الجبل ردوا عليهما هداياهما ولا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملك فأخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه، قالت فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءوا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار، قالت فوالله أنا لعلى ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، قالت فوالله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منهن قالت فسار النجاشي وبينهما عرض النيل فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم حتى يأتينا بالخبر، قالت فقال الزبير أنا، وكان من أحدث القوم سنا، قالت فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، قالت ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده فاستوسق له أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان شهر بيع الأول سنة سبع من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام، وبعث به مع عمرو بن أمية الضمري، فلما قرئ عليه الكتاب أسلم، وقال لو قدرت على أن آتيه لأتيته، وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ففعل واصدق عنه أربعمائة دينار، وكان الذي تولى التزويج خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه من بقى عنده من أصحابه ويحملهم ففعل، فقدموا المدينة فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فشخصوا غليه فوجدوه قد فتح خيبر، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يدخلوهم في سهامهم ففعلوا فهذا ملك النصارى قد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به واتبعه. وكم مثله ومن هو دونه ممن هداه الله من النصارى قد دخل في الدين، وهم أكثر بأضعاف مضاعفة ممن أقام على النصرانية هداه الله من النصارى قد دخل في الدين، وهم أكثر بأضعاف مضاعفة ممن أقام على النصرانية.قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عشرون رجلا أو قريبا من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه وكلموه، وقبالتهم رجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله، وتلا عليهم القرآن فلما سمعوه فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل ابن هشام في نفر من قريش، فقالوا لهم خيبكم الله من ركب؟! بعثكم من ورائكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال؟ ما نعلم ركبا أحمق منكم أو كما قالوا فقالوا لهم سلام عليكم، لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه، لم نأل من أنفسنا خيرا ويقال إن النفر من النصارى من أهل نجران، ويقال فيهم نزلت {الذَينَ آَتيناهُمُ الكِتابَ مِن قَبلِهِ هُم بِِهِ يُؤمِنونَ وَإِِذا يُتلى عَلَيهِم قالوا آَمنا بِهِ إِنَهُ الحَقُ مِن رَبِنا- إِلى قوله- سلام عَلَيكُم لا نَبتَغي الجاهِلين} وقال الزهري مازلت أسمع من علمائنا أنهن نزلن في النجاشي وأصحابه.قال ابن إسحاق: ووفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد (نصارى نجران) بالمدينة، فحدثني محمدا بن جعفر بن الزبير، قال: لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا عليه مسجده بعد العصر، فحانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوهم» فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم، وكانوا ستين راكبا، منهم أربعة وعشرون رجلا أشرافهم منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم (العاقب) أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره، واسمه عبد المسبح. (والسيل) عقالهم وصاحب رحلهم ومجمعهم. (وأبو حارثة ابن علقمة) أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم، وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه وبنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم. فلما وجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران جلس أبو حارثة على بغلة متوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران جلس أبو حارثة على بلغة متوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى جنبه أخ له يقال له كرز بن علقمة يسايره إذ عثرت بغلة أبي حارثة، بل أنت تعست. فقال: ولم يا أخي؟ فقال والله إنه للنبي الذي كنا ننتظره، فقال له كرز: فما يمنعك من اتباعه وأنت تعلم هذا، فقال ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا وأكرمونا وقد أبو إلا خلافه، ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى، فأصر عليها أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك فهذا وأمثاله من الذين منعتهم الرياسة والمأكل من اختيار الهدى وآثروا دين قومهم وإذا كان هذا حال الرؤساء المتبوعين الذين هم علماؤهم وأحبارهم كان بقيتهم تبعا لهم، وليس بمستنكر أن تمنع الرياسة والمناصب والمآكل للرؤساء ويمنع الأتباع تقليدهم، بل هذا هو الواقع والعقل لا يستشكله. |